وكأن شوارع المحروسة تطالب بالدكتور
البرادعي رئيسا
"فرغم الخطوات الوئيدة للوصول إلي
دولة المدنية ودولة كل المواطنين والمجتمع المفتوح والولوج لعصر المدنية
والحداثة والتواصل مع منجزات الحضارات الراقية التي أرست معايير العقل
والتسامح وفعلت من روح الابتكار والمبادرة واحترام حقوق الإنسان علي كافة
الأصعدة، نجد ما زال في جوف أرضنا جحافل من الانقلابيين تخرج متكدسة تدوس
علي المدنية بعنف وبلا رحمة وترسي ثقافات حلقات الذكر الفاشية.. مصر
المدنية التي ناضلت قرابة نصف قرن لتأصيل معايير الدولة المدنية ودولة
المواطنة بحق، وبعد مرحلة من النكوص والهزائم المتتالية علي أيدي
أيديولوجيات فاشية، استطاعت مصر مرة أخري أن تنهض وتستجيب للتحديات
الداخلية والخارجية وفعلت من "قانونها العام" ألا وهو "الدستور" "كتاب
الوطن" عندما اشتمل بابه الأول وفي مادته الأول "أن جمهورية مصر العربية
دولة نظامها ديمقراطي يقوم علي أساس المواطنة.. وحزمة التعديلات الأخري
التي تأخذ مصر علي أعتاب الأمم المدنية، إلا أن أقدام حلقات الذكر ترفض ذلك
وتصر علي أننا أمة يتحكم في مصيرها ثقافة الكتب الصفراء والدفاتر القديمة
التي يبحثون عنها داخل الأقبية المليئة بالأتربة ودغدغتها الفئران.. وبدلا
من أن نهم بالولوج لدخول عصر المدنية نتراجع أمام "المنظرجية" الجدد الذين
يغازلون البسطاء والمعارضين
وكان آخر هذه الموضات المنظرية والانقلابية شروط السيد الدكتور محمد
البرادعي صاحب السبعة والعشرين عاما بعيدا عن مصر نراه يرحب بترشيح نفسه
رئيسا للجمهورية - قبل موعد الانتخابات بعامين - وبعد نهاية ولايته كمدير
للوكالة الدولية للطاقة الذرية.. معالم الموضة المنظرية والانقلابية علي
تاريخ مصر الدستوري بتفاعلاته الاجتماعية هي الشروط التي تفضل الدكتور
البرادعي بأهمية تحقيقها أولا ليقبل ترشحه لرئاسة الجمهورية بعد عامين..
وكأن الملايين من المواطنين المصريين خرجوا يلفون شوارع المحروسة تطالب
بالدكتور البرادعي رئيسا.. وضع الدكتور البرادعي شروطا تنال من سيادة مصر
وكرامتها واستقلالها وتشيع روح الانقسام فيطالب سيادته برقابة دولية من
الأمم المتحدة وإنشاء لجنة مستقلة ومحايدة تشرف علي العملية الانتخابية،
ووضع دستور جديد يكفل الحريات وحقوق الإنسان.. ولنتفحص جيدا شروط الدكتور،
فهل عندما يطالب بوضع دستور جديد لا يعني _ وهذا ليس اتهاما بل واقعا
حقيقيا _ أنه لم يقرأ الدستور المصري أصلاً بحكم غيابه عنها _ هل قرأ
الدكتور الدستور المصري.. ما طالب به يعني أنه لم يقرأه للأسف الشديد ولكنه
راح يدغدغ طموحات ذهنيات بسيطة ومعارضين ألفوا المعارضة من أجل الوصول إلي
سدة الحكم عبر الانقلابات والاحتجاجات.. هل الدستور المصري لا يكفل
الحريات وحقوق الإنسان.. يا للعجب.. مع احترامنا الشديد لإنجازات الدكتور
العلمية وحصوله علي أعلي الشهادات والتقديرات والجوائز منحتها إياه مصر
أولاً عندما منحه الرئيس مبارك قلادة النيل العظمي التي لا تمنح إلا للملوك
والرؤساء ومن قدموا خدمات عظيمة للإنسانية، ثم جائزة نوبل للسلام.. ومن
المؤكد أنه حصل علي عدة جوائز أخري، ولكن هذا لا يعني علي الإطلاق ملاءمة
ليكون رئيسا لمصر التي يعيش علي أرضها 80 مليونا زادت الضعف طوال غياب
الدكتور خارج حدودها.. إن الذين حصلوا علي جوائز عالمية قديرة وكثيرة
يملأون بلدانهم، ولكننا لم نسمع علي الإطلاق -إلا نادرا- ترشيح أحدهم
لرئاسة بلدانهم، فدروس البحث وتجارب المعمل شيء والعمل السياسي شيء آخر..
ويكفي أنه بدأ قصيدته بأول كفر عندما أكد للجميع أنه لم يقرأ الدستور
المصري.. ولنطرح علي سيادته بعض الأسئلة كم عدد زيارات الدكتور لمصر طوال
السبعة والعشرين عاما الأخيرة التي شهدت فيها البلاد حراكات اجتماعية
وسياسية واقتصادية وثقافية كبيرة.. كم عدد قري ونجوع مصر التي شاهدها
الدكتور طوال هذه الفترة، كم شارك أو استمع أو قرأ عن المؤتمرات العامة
للأحزاب المصرية طوال هذه الفترة.. ما هي المشكلات والتحديات التي واجهت
المصريين خلال هذه الفترة وكان يتابعها الدكتور.. ما مدي متابعة الدكتور
لحجم المشاركة السياسية للشباب المصري وهمومه وأزماته.. كم مرة سار في
شوارع مصر وتعرض للاختناقات المرورية.. إن من يطالب بتغيير الدستور.. لم
يكتف فقط بمطالبة تعديله ولكن اشترط تغييره، هذا يعني أنه يمارس السياسة من
شرفات ستيلا دي ماري..